بثينة فتاة تونسية تبلغ تسع سنوات تقطن في منطقة ريفية بمحافظة سيدي بوزيد (وسط البلاد)، تم الاعتداء عليها من قبل شاب من ذوي السوابق العدلية أودع السجن بعد اكتشاف أمره. وبالرغم من تحفظ عائلتها على الخبر، إلا أن حديثها مع إحدى صديقاتها عن خوفها من تهديده وإرغامه لها على الاعتداء عليها داخل سيارته، جعل أغلب سكان منطقتها يتعاطفون معها، ويدعون إلى تسليط أقسى العقوبات عليه.
يعرّف الفصل 226 من المجلة الجزائية في تونس التحرش بأنه، “الإمعان في مضايقة الغير بتكرار أفعال أو أقوال أو إشارات من شأنها أن تنال من كرامته، وأن تخدش حياءه، وذلك بغاية حمله على الاستجابة لرغباته أو رغبات غيره الجنسية، أو ممارسة ضغوط عليه من شأنها إضعاف إرادته على التصدي لتلك الرغبات”.
ويصنف المختصون التحرش الجنسي بالأطفال كأخطر الجرائم. ويؤكد الأستاذ المتخصص في علم اجتماع الجريمة، سامي نصر، أن الاعتداء الجنسي على الأطفال جريمة يعاقب عليها القانون والمجتمع، مشيرا إلى أن هناك نبذا اجتماعيا للمتحرشين ومغتصبي الأطفال، بالإضافة إلى العقوبات بالسجن التي تسلط عليهم.
وتشير الأرقام إلى ارتفاع عدد حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال في المحيط المدرسي، ففي سنة 2014 تمت إحالة 9 آلاف تلميذ على مجالس التأديب بسبب التحرش الجنسي واللجوء إلى العنف، وفق معطيات لوزارة التربية. كما اختلفت أماكن التحرش وتنوعت بين أقسام المعاهد والمدارس ومراكز تقديم الدروس الخصوصية غير المرخص لها.
وقد كشف تقرير إحصائي صادر عن وزارة المرأة والأسرة والطفولة، أن حالات الاستغلال الجنسي قد شهدت ارتفاعا في العام نفسه، حيث تعهد مندوبو حماية الطفولة بـ289 وضعية، وبلغت نسبة التحرش الجنسي بالأطفال 52 بالمئة. كما كشف التقرير أن نسبة ممارسة الجنس مع الطفل بلغت 35 بالمئة من حالات الاستغلال الجنسي.
ويحمّل المختصون في علمي الاجتماع والنفس الأسرة مسؤولية حماية طفلها من التحرش، واعتبروا أنه قبل التفكير في إدراج مادة التربية الجنسية في المناهج التعليمية، لابد من خطوات أكثر أهمية، وهي تثقيف الأسر وتوعيتها بالمخاطر المحدقة بأطفالها، إلى جانب حثهم على الحوار مع أبنائها.
الطفل المتوحد يلامس جسده أكثر من الطفل العادي، وإذا تم الاعتداء عليه جنسيا، ستزداد المضاعفات الجنسية والنفسية لديه
وأشار نصر إلى وجوب إخراج المواضيع المسكوت عنها من دائرة الانغلاق إلى دائرة النقاش بخصوصها، مضيفا أن المشكلة ليست في التلميذ بل في العائلة التي لا تنصت إلى طفلها.
وقال نصر، “إن أول من يلجأ إليهم الطفل عند حصول اعتداء عليه هي الأسرة، وعادة ما تكون هناك مؤشرات تظهر في سلوك الطفل الذي يتعرض إلى تحرش”. لكن العديد من الأسر مشغولة عن أداء دورها ومهامها، وغالبا ما يخشى الطفل الضحية الحديث عما تعرض إليه، إما خوفا من المعتدي وإما من ردة فعل العائلة.
ويرى المختص في علم النفس، أحمد الأبيض، أن الصراحة بين الطفل وأسرته خطوة هامة لاكتشاف ما يحدث له، مشيرا إلى أنه على الأمهات أن يعلّمن أطفالهن رواية كل ما يحدث معهم.
وقال الأبيض لـ”العرب”، إنه على الأمهات عدم ترك الأطفال مع أشخاص غرباء لوقت طويل، وذلك لأن المعتدي يمكن أن يعيد فعلته، خاصة إذا كان قد هدد الطفل وأشعره بالخوف، مؤكدا أن على الأمهات أن يعِين أن أطفالهن يميزون بين اللمسات البريئة وغير البريئة، وبالتالي وجب إرشادهم لذلك.
وأضاف، أن الطفل لا يجب أن يشاهد ما ليس أهلا له، ففرويد قد قسم المرحلة الجنسية عند الأشخاص إلى مرحلتين على حد قوله؛ مرحلة الكمون التي تبدأ من سن 6 سنوات حتى مرحلة البلوغ، والمرحلة الجنسية عند الكبار. لذلك فإن مشاهدة بعض الصور الإباحية مثلا يمكن أن تخرج الطفل من مرحلة الكمون إلى مرحلة الكبار، وهو ما يمثل خطرا على نفسيته.
أما هشام الشريف، الباحث في علم الجنس، فيرى أن أطفال التوحد معنيون أكثر من غيرهم بالتحرش الجنسي، نظرا إلى أنهم غير قادرين على إيصال شكواهم. وقال لـ”العرب”، إن أطفال التوحد يتعرضون أكثر من الأطفال العاديين إلى العنف والإهمال والإساءة الجسدية”، مشيرا إلى أن المعتدين جنسيا يدركون بأن أمرهم لن يكشف، مما يزيد في احتمال تكرار أفعالهم.
وأضاف، أن الطفل المتوحد في العادة يلامس جسده أكثر من الطفل العادي، وإذا تم الاعتداء عليه جنسيا ستزداد المضاعفات الجنسية والنفسية لديه، مما يزيد من انعزاله وخوفه ويعمق اضطرابات التوحد لديه.
ودعا الشريف الأسر إلى العناية بأطفالها خاصة على مستوى النظافة الشخصية، وتعليمهم كيفية الاغتسال الذاتي وعدم الاستعانة بأشخاص آخرين، خاصة عند دخولهم الحمام ولبس ثيابهم بمفردهم.